فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ}.
الأيقاظ: المنتبهون.
قال الراجز:
قد وجدوا إخوانهم أيقاظا ** والسيف غياظ لهم غياظا

والرقود: النيام. قيل إن أعينهم كانت مفتوحة ويتنفسون ولا يتكلمون.
{ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} يعني تقلب النيام لأنهم لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض لطول مكثهم. وقيل إنهم كانوا يقلبون في كل عام مرتين، ستة أشهر على جنب. وستة أشهر على جنبٍ آخر، قاله ابن عباس.
قال مجاهد: إنما قلبوا تسع سنين بعد ثلاثمائة سنة لم يقلبوا فيها.
وفيما تحسبهم من أجله أيقاظًا وهم رقود قولان:
أحدهما: لانفتاح أعينهم.
الثاني: لتقليبهم ذات اليمين وذات الشمال.
{وكلبهم باسِطٌ ذِراعيه بالوصيد} في {كلبهم} قولان:
أحدهما: أنه كلب من الكلاب كان معهم، وهو قول الجمهور. وقيل إن اسمه كان حمران.
الثاني: أنه إنسان من الناس كان طباخًا لهم تبعهم، وقيل بل كان راعيًا. وفي {الوصيد} خمسة تأويلات:
أحدها: أنه العتبة.
الثاني: أنه الفناء قاله ابن عباس.
الثالث: أنه الحظير، حكاه اليزيدي.
الرابع: أن الوصيد والصعيد التراب، قاله سعيد بن جبير.
الخامس: أنه الباب، قاله عطية، وقال الشاعر:
بأرض فضاءَ لا يُسَدُّ وَصيدها ** عليَّ ومعروفي بها غيرُ مُنْكَرِ

وحكى جرير بن عبيد أنه كان كلبًا ربيبًا صغيرًا. قال محمد بن إسحاق كان اصفر اللون.
{لو أطّلعت عليهم لوليت منهم فِرارًا ولملِئت منهم رُعبًا} فيه وجهان:
أحدهما: لطول أظفارهم وشعورهم يأخذه الرعب منهم فزعًا.
الثاني: لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة التي ترد عنهم الأبصار لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله.
حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غزوت مع معاوية رضي الله عنه في بحر الروم فانتهينا إلى الكهف الذي فيه أصحاب الكهف، فقال معاوية أريد أن أدخل عليهم فأنظر إليهم، فقلت ليس هذا لك فقد منعه الله من هو خير منك، قال تعالى: {لو اطعلت عليهم لوليت منهم فرارًا} الآية. فأرسل جماعة إليهم دخلوا الكهف أرسل الله عليهم ريحًا أخرجتهم.
وقيل إن هذه المعجزة من قومهم كانت لنبي قيل إنه كان أحدهم وهو الرئيس الذي اتبعوه وآمنوا به. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {وتحسبهم} الآية، صفة حال قد نقضت وجاءت أفعالها مستقبلة تجوزًا واتساعًا و{أيقاظًا} جمع يقظ كعضد وأعضاد، وهو المنتبه قال أهل التفسير: كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون، فلذلك كان الرائي يحسبهم {أيقاظًا}.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يحسب الرائي ذلك لشدة الحفظ الذي كان عليهم وقلة التغير، وذلك أن الغالب على النوام أن يكون لهم استرخاء وهيئات تقتضي النوم، ورب نائم على أحوال لم يتغير عن حالة اليقظة فيحسبه الرائي يقظانًا وإن كان مسدود العينين، ولو صح فتح أعينهم بسند يقطع العذر كان أبين في أن يحسب عليهم التيقظ، وقرأ الجمهور: {ونقلبهم} بنون العظمة، وقرأ الحسن: {وَتَقلُّبُهم} بالتاء المفتوحة وضم اللام والباء، وهو مصدر مرتفع بالابتداء، قاله أبو حاتم، وحكى ابن جني القراءة عن الحسن بفتح التاء وضم اللام وفتح الباء، وقال هذا نصب بفعل مقدر كأنه قال وترى أو تشاهد تقلبهم، وأبو حاتم أثبت، ورأت فرقة أن التقلب هو الذي من أجله كان الرائي يحسبهم {أيقاظًا} وهذا وإن كان التقلب لمن صادف رؤيته دليلًا على ذلك، فإن ألفاظ الآية لم تسقه إلا خبرًا مستأنفًا، وقال أبو عياض: كان هذا التقليب مرتين في السنة، وقالت فرقة كل سبع سنين مرة، وقالت فرقة إنما قلبوا في التسع الأواخر، وأما في الثلاثمائة فلا، وذكر بعض المفسرين أن تقلبهم إنما كان حفظًا من الأرض، وروي عن ابن عباس أنه قال لو مستهم الشمس لأحرقتهم، ولولا التقليب لأكلتهم الأرض.
قال القاضي أبو محمد: وآية الله في نومهم هذه المدة الطويلة وحياتهم دون تغد أذهب في الغرابة من حفظهم مع مس الشمس ولزوم الأرض ولكنها روايات تجلب. وتتأمل بعد، وظاهر كلام المفسرين أن التقليب كان بأمر الله وفعل ملائكته، ويحتمل أن يكون ذلك بإقدار الله إياهم على ذلك وهم في غمرة النوم لا ينتبهون كما يعتري كثيرًا من النوام، لأن القوم لم يكونوا موتى. وقوله: {وكلبهم} أكثر المفسرين على أنه كلب حقيقة كان لصيد أحدهم فيما روي، وقيل كان لراع مروا عليه فصحبهم وتبعه الكلب.
قال القاضي أبو محمد: وحدثني أبي رضي الله عنه، قال: سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على منبر وعظه سنة تسع وستين وأربعمائة: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله، وقيل كان أنمر، وقيل أحمر، وقالت فرقة كان رجلًا طباخًا لهم حكاه الطبري ولم يسم قائله، وقالت فرقة: كان أحدهم وكان قعد عند باب الغار طليعة لهم.
قال القاضي أبو محمد: فسمي باسم الحيوان الملازم لذلك الموضع من الناس، كما سمي النجم التابع للجوزاء كلبًا لأنه منها كالكلب من الإنسان، ويقال له كلب الحيار: أما أن هذا القول يضعفه بسط الذراعين، فإنهما في العرف من صفة الكلب حقيقة ومنه قول النبي عليه السلام: «ولا يبتسط أحدكم ذراعيه في السجود ابتساط الكلب»، وقد حكى أبو عمر المطرز في كتاب اليواقيت أنه قرئ: {وكالبهم باسط ذراعيه} فيحتمل أن يريد ب {كالب} هذا الرجل، على ما روي إذ بسط الذراعين واللصوق بالأرض مع رفع الوجه للتطلع هي هيئة الربيئة، المستخفي بنفسه، ويحتمل أن يريد ب {كالب} الكلب، وقوله: {باسط ذراعيه} أعمل اسم الفاعل وهو بمعنى المضي لأنها حكاية حال، ولم يقصد الإخبار عن فعل الكلب، والوصيد العتبة لباب الكهف أو موضعها حيث ليست. وقال ابن عباس ومجاهد وابن جبير الوصيد الفناء، وقال ابن عباس أيضًا الوصيد الباب، وقال ابن جبير أيضًا الوصيد التراب، والقول الأول أصح، والباب الموصد هو المغلق، أي قد وقف على وصيده، ثم ذكر الله عز وجل ما حفهم من الرعب واكتنفهم من الهيبة، وقرأ: {لوِ اطلعت} بكسر الواو جمهور القراء، وقرأ الأعمش وابن وثاب {لوُ اطلعت} بضمها. وقد ذكر ذلك عن نافع وشيبة وأبي جعفر، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عباس وأهل مكة والمدينة {لملّئت} بشد اللام على تضعيف المبالغة أي ملئت ثم ملئت ثم ملئت، وقرأ الباقون: {لمُلِئت} بتخفيف اللام والتخفيف أشهر في اللغة، وقد جاء التثقيل في قول المخبل السعدي: الطويل:
وإذ فتك النعمان بالناس محرمًا ** فملىء من كعب بن عوف سلاسله

وقالت فرقة إنما حفهم هذا الرعب لطول شعورهم وأظفارهم، ذكره المهدوي والزجاج، وهذا قول بعيد، ولو كانت حالهم هكذا، لم يقولوا {لبثنا يومًا أبو بعض يوم} [الكهف: 19] وإنما الصحيح في أمرهم، أن الله عز وجل حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها، لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية، فلم يبل لهم ثوب، ولا تغيرت صفة، ولا أنكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم، ولروي ذلك، وقرأ الجمهور: {رعْبًا} بسكون العين، وقرأ: {رعُبًا} بضمها أبو جعفر وعيسى، قال أبو حاتم: هما لغتان. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وتحسَبُهم أيقاظًا} أي: لو رأيتَهم لحسِبتَهم أيقاظًا.
قال الزجاج: الأيقاظ: المنتبهون، واحدهم: يَقِظ، ويَقْظان، والجميع: أيقاظ؛ والرقود: النيام.
قال الفراء: واحد الأيقاظ: يَقُظ، ويَقِظ.
قال ابن السائب: وإِنما يُحسَبون أيقاظًا، لأن أعينهم مفتَّحة وهم نيام.
وقيل: لتقلُّبهم يمينًا وشمالًا.
وذكر بعض أهل العلم: أن وجه الحكمة في فتح أعينهم، أنه لو دام طَبْقها لذابت.
قوله تعالى: {ونُقَلِّبهم} وقرأ أبو رجاء: {وتَقْلِبُهم} بتاء مفتوحة، وسكون القاف، وتخفيف اللام المكسورة.
وقرأ أبو الجوزاء، وعكرمة: {ونَقْلِبُهم} مثلها، إِلا أنه بالنون.
{ذاتَ اليمين} أي: على أيْمانهم وعلى شمائلهم.
قال ابن عباس: كانوا يُقلَّبون في كل عام مرتين، ستة أشهر على هذا الجنب، وستة أشهر على هذا الجنب، لئلا تأكل الأرض لحومهم.
وقال مجاهد: كانوا ثلاثمائة عام على شِقّ واحد، ثم قُلِّبوا تسع سنين.
قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} أخبر أن الكلب كان على مثل حالهم في النوم، وهو في رأي العين منتبه.
وفي الوصيد أربعة أقوال.
أحدها: أنه الفِناء فِناء الكهف، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والفراء.
قال الفراء: يقال: الوَصِيد والأَصِيد لغتان، مثل الإكفاف والوكاف.
وأرَّخت الكتاب وورَّخت، ووكدت الأمر وأكَّدت؛ وأهل الحجاز يقولون: الوَصيد، وأهل نجد يقولون: الأَصِيد، وهو: الحظيرة والفِناء.
والثاني: أنه الباب، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال السدي.
وقال ابن قتيبة: فيكون المعنى: وكلبهم باسط ذراعيه بالباب، قال الشاعر:
بِأرْضِ فَضَاءٍ لا يُسَدُّ وَصِيدُها ** عليَّ ومَعْرُوفي بها غيرُ مُنْكَرِ

والثالث: أنه الصعيد، وهو التراب، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد في رواية عنهما.
والرابع: أنه عتبة الباب، قاله عطاء.
قال ابن قتيبة: وهذا أعجب إليَّ، لأنهم يقولون: أَوصِد بابك، أي: أَغلِقه، ومنه قوله: {إِنها عليهم مؤصَدة} [الهُمَزة: 8]، أي: مُطْبَقة مُغْلَقة، وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إِذا أغلقته، ومما يوضح هذا أنك إِذا جعلت الكلب بالفِناء، كان خارجًا من الكهف، وإِن جعلته بعتبة الباب، أمكن أن يكون داخل الكهف، والكهفُ وإِن لم يكن له باب وعتبة، فانما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت، فاستُعير.
قوله تعالى: {لو اطَّلعتَ عليهم} وقرأ الأعمش، وأبو حصين: {لوُ اطلعت} بضم الواو {لوليَّتَ منهم فرارًا} رهبة لهم {ولملئت} قرأ عاصم، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {ولَمُلِئْتَ} خفيفة مهموزة.
وقرأ ابن كثير، ونافع: {ولَمُلِّئْتَ} مشددة مهموزة، {رُعْبًا} أي: فزعًا وخوفًا، وذلك أن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يدخل إِليهم أحد.
وقيل: إِنهم طالت شعورهم وأظفارهم جدًا، فلذلك كان الرائي لهم لو رآهم هرب مرعوبًا، حكاه الزجاج. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال}.
قال ابن عباس: لئلا تأكل الأرض لحومهم.
قال أبو هريرة: كان لهم في كل عام تقليبتان.
وقيل: في كل سنة مرة.
وقال مجاهد: في كل سبع سنين مرة.
وقالت فرقة: إنما قُلبوا في التسع الأواخر، وأما في الثلثمائة فلا.
وظاهر كلام المفسرين أن التقليب كان من فعل الله، ويجوز أن يكون من مَلَك بأمر الله، فيضاف إلى الله تعالى.